صفقة الأسرى: الحسابات الإسرائيلية الخاطئة

يديعوت: رونين بيرغمان
«في الأسبوعين الأخيرين، في كل مرة أحتاج فيها لأن أتحدث مع – أو مع – أشعر بقرف، مقت، رفض، وكأني أحتاج لأن أستحم بعدها. المشكلة هي ليست مع هؤلاء الأشخاص. فالنفور هو من نفسي في أنني أردد رسائل الحكومة وجهاز الأمن وأعرف أن ما أقوله جد جد غير دقيق، وهذا هو أقل ما يقال تاريخياً. الناطق – رجل يتبوأ منصباً حكومياً رفيعاً، في إطارة يتعين عليه أن يعبر علناً عن الرأي ويلتقي محافل أجنبية تُشطب أسماؤها وألقابها منعاً لإمكانية معرفته. فهو يعرف جيداً ما يجري في ميدان المعركة وضليع في المادة الاستخبارية. أما «القرف الخفيف» فيتعلق بالأوامر التي يتلقاها ذاك الشخص إياه: أن يكرر خط الحكومة الإعلامي وفي أعقابه خط الجيش في أن للحملة هدفين: إبادة بنية، قدرات وحكم «حماس»، وتحرير المخطوفين.
هذه هي الرسائل التي يكررها وزراء، ناطقون، رئيس الوزراء وجهاز الأمن كله أمام الجمهور وباقي العالم ابتداء من أسبوعين بعد هجوم «حماس». «المناورة البرية هي وسيلة الضغط المركزية على السنوار للوصول إلى صفقات المخطوفين»، يقولون، «وعليه فإن المناورة يجب أن تستمر وذلك أيضاً لأجل تحقيق الهدف الأول، تفكيك المنظمة، وكذا الثاني أيضاً ممارسة ما يكفي من الضغط على السنوار كي يخضع ويوافق على صفقة يمكن لإسرائيل أن تقبلها».
لكن هذا القول دقيق تقريباً مثل توقعات الجيش الإسرائيلي قبل حرب لبنان الثانية، في أنه في حالة اشتعال وضع القتال حيال «حزب الله»، فان سلاح الجو وباقي وسائل إطلاق النار في الجيش الإسرائيلي يمكنها أن تشل كل مصادر إطلاق النار لدى المنظمة الشيعية نحو إسرائيل «باستثناء هنا وهناك كاتيوشا على حمار»، على حد قول ممثلي الجيش للحكومة قبل الحرب. في النهاية تبين أن الكاتيوشا كانت، وأكثر بكثير من هنا وهناك. كما أن حماراً كان، لكن ليس مؤكداً أنه كان يسير على أربعة.
ولا يدور الحديث عن حكمة بأثر رجعي أو عن استنتاج لا يمكن الوصول إليه إلا بعد وقت. في 26 تشرين الثاني، قبل بضعة أيام من الدخول إلى قطاع غزة، حذرنا هنا من تضليل الجمهور الإسرائيلي وكأنه يمكن أن يتحدد للحرب هدفان. فقد كتبنا نقول: «محظور التشوش، فأمام إسرائيل خياران، وخياران فقط – إما محاولة الوصول إلى صفقة تحرير مخطوفين تكون أكبر ما يمكن، أو الخروج إلى مناورة برية. في مفترق الـ T هذا يمكن التوجه يميناً، إلى رحلة تثبت أنه حل يوم الثأر والدفع، رحلة تثبت أن الفرق بين مشاهد الكارثة في أوروبا في الأربعينيات وبين المنافسة البربرية لمخربي «حماس» هو الجيش الإسرائيلي، اليهودي المستعد بسيفه. أو يمكن أيضاً التوجه يساراً، لاحترام قول الرمبام في أنه لا توجد فريضة أكبر من فريضة فداء الأسرى، القيمة الأعلى، الإنسانية واليهودية للتكافل المتبادل وإنقاذ الحياة، وبالتأكيد في المكان الذي تعرض فيه الآن حقاً لهذا القدر الكثير من الموت».
طرق متضاربة
كل من له عينان في رأسه يعرف منذ ذلك الحين أن «الطريقين متعارضتان الواحدة مع الأخرى، متعاكستان في الاتجاه، في النتيجة، في الخيار، تعطلان الواحدة الأخرى، كما كتبنا. وحذرنا من أنه «عملياً هاتان هما ليسا حتى إمكانيتين بل هما خيار وثلاثة أرباع سرعان ما يصبحان خياراً ونصف الخيار، وعندها سيتبدد تماماً». كان واضحاً منذئذ أن «الائتمان غير المسبوق الذي أعطاه العالم لإسرائيل تحت مشاهد الفظاعة « – هذا الائتمان سينتهي، و»في النهاية حتى للرئيس بايدن هذا سينفره». كتبنا أن «خطوة برية، إذا ما خرجوا إليها» – إذ كان نتنياهو في حينه لا يزال متردداً، يجب أن تكون قصيرة ولا يمكنها أن تستمر لسنة، مثلما قال الجيش إنه يحتاج كي يصل إلى الهدف.
إن من خطط في حينه للبقاء سنة في القطاع، اعتقد أن هذا ممكناً، هو شخص ساذج جداً، أو عديم المعرفة تماماً لما حصل لإسرائيل في الجولات السابقة أو حصل في أحداث مشابهة في العالم. إذ لم يكن شك بأن العالم لن يسمح لإسرائيل بالبقاء في غزة. الضغط الدولي، إلى جانب الثمن المتعاظم من المقاتلين القتلى من جيش يراوح في المكان، يقف في المكان، ومكشوفاً لمخربين، أعادوا انتظامه، سيلزم الجيش الإسرائيلي بالانسحاب قبل ذلك بكثير جداً.
لم يتصور أحد تقريباً في الحياة العامة الإسرائيلية الإمكانية أن يخلق القادة وهماً عابثاً، وعملياً معقول أن تنهي إسرائيل عملياً جولتها للقتال القوي دون أن تحقق الهدف الأول للحرب – دون الإبادة التامة لمنظومة الصواريخ، دون إبادة ذات مغزى لمنظومة الأنفاق تحت الأرض ومع ضربة جزئية جداً، غير هامشية لكن جزئية، لعصبة السنوار وسبعة مساعديه الكبار، الذين صُفي اثنان منهم فقط حتى الآن. كان واضحاً منذئذ أنه سيكون صعباً جداً تحرير المخطوفين بقوة الذراع، وأنه في النهاية سيصل الجيش في أقصى الأحوال إلى وضع يحيط فيه بالقلعة التحت أرضية الأخيرة للسنوار وضيف، وعندها في ظروف ضغط حقيقي على زعيم «حماس» سيحاول الوصول إلى صفقة ما.
حقق الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن إنجازات هائلة في المعركة البرية. مجرد الخروج إليها، بعد عقود من التخوف منها، ناهيك عن عمل ذلك بعد الضربة الرهيبة والمهينة في 7 أكتوبر هو أحد أهمها. بالنسبة للتوقعات المسبقة لأعداد القتلى الكبيرة أكثر بكثير، ولحقيقة أن جزءاً كبيراً من القوات هم رجال احتياط بالكاد تدربوا، إذا ما تدربوا على الإطلاق، في السنوات الأخيرة ولعدد القتلى العالي بنار صديقة، والفوضى العامة (حدث قتل المخطوفين لا يقع في فراغ)، لحرب في منطقة مبنية ولتآكل الوحدات في الخطوة البرية التي تواصلت لزمن طويل جداً – فإن عدد القتلى رهيب وعظيم، لكن لا يزال أدنى بكثير مما هو متوقع في مثل هذه الظروف.
لكن الحقيقة هي أيضاً خيار. فقط في 16 تشرين الأول، بعد ضغط جماهيري، أضاف الـ»كابينيت» موضوع المخطوفين كهدف ثان للحرب. الخطوة البرية هكذا كرر مندوبو الحكومة والجيش، ستساعد في تحريرهم. أما التجربة من أسابيع القتال فتثبت كم هو القول الذي يعرض المناورة البرية كمحفز لتحرير المخطوفين، في العمليات أو في المفاوضات، هو، كيف يمكن أن يقال، ليس دقيقاً حقاً. فالصفقة التي توصل إليها الجيش الإسرائيلي وخرجت إلى حيز التنفيذ كانت موضوعة على الطاولة بعد وقت قصير على دخول القطريين إلى الحدث. التعديلات (بما في ذلك بند سري أخفته إسرائيل وقضت فيه تعهداً إضافياً تجاه «حماس») مقارنة بالصيغة النهائية كانت طفيفة. في نهايتها، في الليلة الأخيرة لوقف النار، تلقى رئيس «الموساد» دافيد برنياع قائمة أخرى لـ»حماس»، التي اقترحت مقابل استمرار الهدنة في القتال جثثاً، رجل واحد شاب نسبياً وبضعة كبار في السن آخرون. وأعلنت المنظمة أنها لا يمكنها أن تحرر باقي النساء وادعت أنهن لسن تحت سيطرتها. في الجيش وفي أسرة الاستخبارات كانوا يعرفون جيداً أن هذا كذب. فقد تخوفت «حماس»، هكذا حسب محافل استخبارات مطلعة على الأمور، مما سترويه تلك النساء مع عودتهن.
برنياع، وباقي القيادة الإسرائيلية، قرروا أنه لا يمكن ترك هؤلاء النساء والانتقال إلى صنف آخر. وأعلن برنياع أن «حماس» خرقت الاتفاق وأنه يغادر. وخرق الطرفان وقف النار في الصباح. في جهاز الأمن بذلوا جهوداً عظيمة في محاولة للعثور على المخطوفين والوصول إليهم في حملة إنقاذ. نجح هذا مرة واحدة وفشل مرة أخرى. عمليات كثيرة لم تخرج إلى حيز التنفيذ خوفاً من نقص في المعلومات أو خطر عال جداً لكل الأطراف. المخطوفون الذين عادوا رووا كم عرّض قصف الجيش حياتهم للخطر. في الجيش يقولون: إنه لا توجد معلومات لا لبس فيها عن حالات قتل فيها مخطوفون بقصف إسرائيلي. لكن توجد شبهات بذلك كفيلة بأن تتأكد في المستقبل.
في خان يونس بالذات، حين تكون «السيف على رقبته»، كما قال أحد المحللين، يفترض بالسنوار، حسب نظرية «هدفان للحملة» والواحد يدفع الآخر، أن ينثني تحت ضغط إسرائيل، التي سرعان ما ستصل إليه، والموافقة على شروط لم يسبق أن وافق عليها من قبل. أما عملياً فحصل العكس بالضبط. إسرائيل استنفدت الخطوة البرية بينما هي بعيدة جداً عنه. هي التي انثنت، هجرت المخطط الأصلي، ومستعدة لصفقة أخرى تماماً، ربما مثل تلك التي رفضتها، عن حق، في الليلة إياها. فجأة تغير خط المحللين، وأعلنوا أن «حماس لم تغلق الباب». أي باب؟ من أغلق؟ «حماس» بالذات نعم أغلقت، بما في ذلك المدخل إلى عموم أنفاق السنوار وكذا الباب للصفقة إياها.
شددت الشروط
السنوار يلعبها الآن وهو يشعر بأنه على الجواد في ضوء الضغط الأميركي على إسرائيل، مخازن أنفاق – المليئة بكل خير وباالمخطوفين. شدد الشروط ووصل إلى الأهم من ناحيته: وعد إسرائيلي مشروط بضمانات من دول أخرى ووقف تام للقتال من جانب إسرائيل، دون سقف زمني، إلى جانب تحرير سجناء ثقيلين جداً مقابل الصفقة. محافل إسرائيلية تدعي أن هذه المطالب منقطعة عن الواقع. السنوار بالتأكيد شعر بإهانة كبيرة. في السطر الأخير: إسرائيل ضربت «حماس» لكنها بعيدة عن القضاء عليها. وبينما هي متخندقة تحت الأرض، ليس لها في هذه اللحظة مصلحة ذات مغزى للوصول إلى صفقة. يوجد من يعتقد أن إسرائيل معنية فجأة بصفقة إذ واضح للجميع أنه سيعين عليها في غضون أسبوعين أن توقف المناورة بضغط أميركي.
وحتى أصحاب الخط الصقري في جهاز الأمن ممن طالبوا مواصلة المناورة، لا حاجة بهم لأن يعارضوا الصفقة. عملياً العكس هو الصحيح: الصفقة ستكون فعل نهاية متفائلة للحرب، ألطف بكثير من أن يقول الأميركيون لإسرائيل ببساطة أن تتوقف وتنسحب. إذاً ماذا كان تخطيط إسرائيل؟ – سألت المسؤول في بداية المقال. «الضربة الرهيبة التي تلقيناها في 7 أكتوبر خلقت لدى الكثيرين في القيادة إحساساً بأن ما حصل رهيباً وفظيعاً لدرجة أنه يحررهم من الحاجة لتخطيط الكثير إلى الأمام. ببساطة هناك حاجة لضربهم، وبعد ذلك التفكير ماذا بعد». وماذا بعد؟ «الخيارات التي ستكون في الأسابيع القريبة القادمة أمام قادة الدولة وجهاز الأمن»، قال الرجل المجرب جداً، «هي خيارات شيطانية وحشية. لكن الأسوأ سيكون اتخاذها دون معرفة أولية بالوضع الذي خلقها، في الواقع».





















Facebook Comments