تداعيات استراتيجية
تغيير التبعية التنظيمية لوحدات تنسيق العمليات الحكومية في الأراضي الفلسطينية

ترجمة الهدهد
معهد السياسات والاستراتيجية/ دكتور مخائيل ميلشتاين
الإدارة المدنية
منذ تأسيسها – بعد حرب الأيام الستة بوقت قصير – كانت وحدة التنسيق للعمليات الحكومية في الأراضي الفلسطينية في وضع استثنائي، فهي تعتمد في الغالب على أفراد عسكريين (بما في ذلك رؤساؤها)، ولكنها تابعة لوزير الجيش ومهمتها هي الاهتمام بالقضايا المدنية، التي تتعلق معظمها بحياة السكان الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية، وهذا يعكس “القرار الإسرائيلي” المستمر بعدم اتخاذ قرار بشأن قضية الأراضي الفلسطينية، والرغبة من ناحية في الحفاظ على السيطرة الأمنية على المنطقة ومن ناحية أخرى التعامل مع احتياجات الجمهور الفلسطيني.
هناك مرحلتان تاريخيتان شكلتا منصب منسق العمليات الحكومية في الأراضي الفلسطينية:
الأولى: عام 1981، على خلفية اتفاقيات “كامب ديفيد” وتضمنت التخطيط لإقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية، وتم إنشاء الإدارة المدنية التي انفصلت عن الحكم العسكري، وكانت من المفترض أن تكون بمثابة نواة للحكم الذاتي الفلسطيني.
والثاني: إنشاء السلطة الفلسطينية في عام 1994، في ذلك الوقت توقفت “السيطرة الإسرائيلية” على مراكز المدن وتقلصت مسؤوليات “إسرائيل” الواسعة في الضفة الغربية، وتم تأسيس جهاز تنسيق مدني وأمني مع الحكومة الفلسطينية، وتم حل الإدارة المدنية في قطاع غزة، حينها توقفت “إسرائيل” عن السيطرة المباشرة على الجمهور الفلسطيني (في الضفة الغربية واستمرار السيطرة في منطقتي B و C).
تعتبر وحدة تنسيق عمليات الحكومة في الضفة الغربية، وكيل “إسرائيل” في الضفة الغربية، وهي أراضي لم يتم تحديد وضعها منذ 55 عاماً، وهذه الوحدة مسؤولة عن مجموعة كاملة من العمليات التي تتعامل مع نسيج الحياة المدنية في الضفة الغربية (وإلى حد أقل بكثير في قطاع غزة)، بدءاً من توفير الاحتياجات الأساسية وتشغيل البنى التحتية المدنية الحيوية (المياه والكهرباء والغاز والهواتف المحمولة والبريد وغيرها)، ومن خلال إصدار تصاريح العمل والتجارة والتنقلات في مجالات الصناعة والتمويل، وينتهي الأمر بتنسيق الأنشطة مع أجهزة الأمن الفلسطينية، إلى جانب تقديم الخدمات للمستوطنين في الضفة الغربية (حوالي 480 ألف مستوطن) وتنسيق أعمال الجهات الأجنبية العاملة في المناطق (دبلوماسيون، منظمات إغاثية، إعلام، دين، إلخ)، وبالتالي فإن السلطة الفلسطينية هي عنصر أساسي في الحفاظ على الحياة بالضفة الغربية وكذلك في الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي في تلك الساحة.
إن التغيير المتوقع في التبعية التنظيمية لمنسق الأعمال الحكومية والإدارة المدنية في الحكومة القادمة (نقلهما إلى مسؤولية وزير المالية أو وزير ينوب عنه في وزارة الجيش) ليس تحركاً تنظيمياً رمزياً، بل خطوة ذات انعكاسات استراتيجية، وهو التغيير الأول والوحيد حتى الآن في التبعية التنظيمية لتلك الهيئات منذ إنشائها،
ثلاث نتائج استراتيجية رئيسية متوقعة لمثل هذه الخطوة:
- فجوة في جوانب السيطرة والقيادة ستنجم عن حقيقة أن هذه الهيئة التي تعتمد على أفراد عسكريين يقودونها، ستخضع لسيادة وزارية غير أمنية، فالتنسيق الذي سيستمر مع وزير الجيش والوعد بأن رئيس الوزراء سيكون بمثابة السلطة العليا التي ستوافق على التحركات في السياق الفلسطيني، من المتوقع أن يقلل من بعض التوترات والثغرات المتوقعة لكنه لن يمنعها تماماً، وقد يؤدي ذلك إلى حدوث خلل في الجوانب الأمنية والسياسية والمدنية.
- فجوة مع الفلسطينيين في ضوء تغيير العناوين على “الجانب الإسرائيلي” والاحتمال (المعقول) بأن الوزير المكلف بمتابعة منسق الأعمال الحكومية في الأراضي الفلسطينية عن الصهيونية الدينية، سيشارك أقل من سابقيه في التنسيق مع السلطة الفلسطينية (وقد لا يرغب حتى في إجراء اتصالات مع ممثليها على الإطلاق) سيكون هناك انقسام محتمل في صلاحيات منسق الأعمال الحكومية بين تعزيز البناء والتنمية في “المستوطنات الإسرائيلية” (وهي قضية من المتوقع أن يركز عليها وزير المالية القادم) والحفاظ على التنسيق مع الفلسطينيين الذي قد يظل في أيدي وزارة الجيش، وهذا يمكن أن يشكل فتحة لثغرات ومشاكل اتصال خطيرة داخل “النظام الإسرائيلي” بينه وبين الفلسطينيين.
- استياء المجتمع الدولي، خاصة إذا كان عمل الهيكل التنظيمي الجديد لمنسق الأعمال الحكومية سيركز على التطوير المكثف لبناء “المستوطنات الإسرائيلية”، الأمر الذي سيعزز الاتهامات التي وجهت بالفعل ضد “إسرائيل” من قبل مسؤولين سياسيين غربيين، والتي تقول أن التغيير التنظيمي الذي تم الاتفاق عليه من المتوقع أن يسمح بضم فعلي لجزء من الضفة الغربية (مناطق ج بشكل أساسي)، حتى دون إعلانات رسمية أو تحركات تشريعية منظمة.
من المفترض أن يوفر التغيير التنظيمي الذي تم اتخاذ قرار فيه، إجابة لمعضلات عميقة وطويلة الأمد تتعلق “بالسياسة الإسرائيلية” تجاه الضفة الغربية، ومكانة “القانون الإسرائيلي” في هذه الأراضي، الحجة التي بموجبها يحق للمستوطنين الذين يعيشون في الضفة الغربية – خارج الخط الأخضر- الحصول على خدمة مماثلة لتلك الخاصة ببقية “مواطني إسرائيل”، وأنه من غير المنطقي أن تقوم هيئة عسكرية وغير مدنية بتقديمها لهم – وهذه الخطوة بالفعل تستحق المناقشة.
من المتوقع أن يكون التغيير السريع والحاد للواقع القائم منذ أكثر من نصف قرن – دون تخطيط وحساب استراتيجي متعمق – ضاراً للغاية “بإسرائيل” من وجهة نظر استراتيجية.
علاوة على ذلك، فإن التغيير التنظيمي يتخطى بطريقة ملتوية سؤالاً ثقيلاً يتطلب نقاشاً وقرارات وهو ما إذا كانت “إسرائيل” تنوي تطبيق السيادة على بعض أو كل الضفة الغربية، وهو أمر تم تعريفه على أنه هدف مركزي من قبل الصهيونية الدينية (التي أوضح قادتها مرات عديدة في السنوات الأخيرة أنهم يريدون إلغاء الإدارة المدنية كخطوة على طريق تطبيق السيادة).
إن الحكومة القادمة لديها رؤية وأهداف مستمدة من أفكارها ترغب في تحقيقها، ولكن في نفس الوقت عليها أن تدرك إمكانية الانفجار الذي يميز النظام الفلسطيني حالياً والذي يمكن أن يصبح تهديداً استراتيجياً حاداً.
إن إجراء تغييرات بعيدة المدى بعد فترة وجيزة من تنصيب الحكومة، وخاصة تعزيز البناء الاستيطاني على نطاق واسع، وتغيير الوضع القانوني للمستوطنات أو مناطق في الضفة الغربية، فضلاً عن فرض قيود أو إجراء عقاب على السلطة الفلسطينية، يمكن أن يؤدي إلى تصعيد أكثر حدة من التصعيد القائم الآن في الضفة الغربية – خاصة في شمالها – في الأشهر الستة الماضية.
يوصى بأن تلتزم الحكومة القادمة – على الأقل في أشهر ولايتها الأولى – بالحفاظ على الواقع القائم بدلاً من التغيير السريع، لا سيما فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، والموقف تجاه السلطة الفلسطينية (يُنصح بتجنب الإعلانات المتكررة عن الرغبة في هدمها، وعدم اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه)، وخصوصاً فرض قيود اقتصادية والتي ستضر بنسيج حياة الجمهور الفلسطيني وستؤدي إلى انضمامه إلى دائرة العنف، وهو الأمر الذي نجحت “إسرائيل” حتى الآن في منعه من خلال الروافع الاقتصادية.
سيُطلب من الحكومة القادمة إظهار فهم متعدد الأبعاد للسياق الفلسطيني، يتمحور حول الاعتراف بأن تقويض الواقع في الضفة الغربية قد يترجم بسرعة إلى إسقاطات سلبية على الساحات الأخرى مثل قطاع غزة وفلسطينيي الداخل، وأيضاً يضع العراقيل في علاقات “إسرائيل” مع المجتمع الدولي، بشكل يضر بموقفها السياسي وصورتها، وكذلك القدرة على التركيز على التهديد الإيراني (خاصة في السياق النووي) وبالأحرى في تعزيز التحركات من أجل الوقوف ضدها.





















Facebook Comments