محور السياسة الخارجية لإدارة بايدن
الصين والتحديات العابرة للحدود

ترجمة الهدهد
معهد الدراسات والاستراتيجية/ د. شاي هار تسفي و روتم أورغ
سيتم تشكيل السياسة الخارجية لإدارة بايدن في العامين المقبلين وفقاً للمبادئ المنشورة في وثيقة استراتيجية الأمن القومي (NSS)، والتي تتضمن عرض تحديات وسياسات الإدارة على نطاق واسع حول مجموعة من القضايا الداخلية والخارجية؛ هذا، جنباً إلى جنب مع آثار انتخابات الكونجرس النصفية، التي فاز فيها الحزب الديمقراطي بإنجاز غير مسبوق لحزب حاكم، بطريقة أظهرت أنه على الرغم من الصعوبات الاقتصادية، فإن الجمهور الأمريكي يثق في طريق الرئيس بايدن، الذي يقوم على أساس دعم العمليات الديمقراطية والقيم الليبرالية.
الغرض من المقال هو تقديم آراء وسياسات الإدارة الأمريكية حول القضايا الرئيسية في السياسة الخارجية وتوصيات للحكومة المنتظرة.
الساحة العالمية – الصين أولاً
في السنوات الأخيرة، كما ورد في وثيقة NSS، واجهت الولايات المتحدة تحديين استراتيجيين:
- الأول: هو التنافس بين القوى لتشكيل نظام عالمي جديد.
- والثاني: هو التعامل مع التحديات العابرة للحدود.
تعامل الرئيس بايدن مع هذه التحديات من خلال تبني نهج يجمع بين تعزيز القيم الأمريكية والمفاهيم الليبرالية للإدارة، وبين إنشاء تحالفات وتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.
يمثل الصراع المتزايد مع الصين وروسيا أولى أولويات الإدارة الأميركية الحالية، ومن وجهة نظر الإدارة، فإن التنافس معها يعكس “مواجهة قيم” بين الإدارات الديمقراطية والأنظمة التي تعتبرها الإدارة الأمريكية مختلفة معها وتصفها بالاستبدادية، الأمر الذي سيشكل وجه الساحة العالمية في السنوات القادمة.
في حين يُنظر إلى الصين على أنها التهديد الرئيسي والدولة الوحيدة التي تشكل بديلاً حقيقياً عن الولايات المتحدة بسبب طموحاتها وقدراتها الجيوسياسية (التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية)، يتم تصوير روسيا على أنها تهديد مباشر للنظام العالمي، ولكن بقوة أقل، وبالتالي يجب احتواؤها.
وفقاً لهذه التصورات أو المفاهيم، يبدو أنه في العامين المقبلين ستواصل الإدارة بذل جهوداً كبيرة للحد من نفوذ الصين، والتنافس معها على التفوق في سوق التكنولوجيا، ويمكن رؤية ما يعبر عن ذلك في “حرب الرقائق”، والقيود التي تفرضها الإدارة الأمريكية على التعاون بين شركات التكنولوجيا.
في الوقت نفسه ستواصل الإدارة تعزيز التحالفات الدفاعية والتعاون العسكري مع دول منطقة آسيا، مع التركيز على الهند وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية (تحالف Quad الرباعي الذي تأسس العام الماضي).
في مواجهة روسيا، ستستمر الولايات المتحدة في تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية مكثفة لأوكرانيا، وتكثيف الضغوط الاقتصادية على روسيا، لكنها في الوقت نفسه ستبحث عن طرق لإنهاء الحرب، بطريقة تسمح بتحويل الموارد والاهتمام إلى التحدي الصيني، مما يساعد في التعامل مع الأزمة الاقتصادية ومنع التصعيد والتحركات المتطرفة.
التحديات العابرة للحدود
تُسلط إدارة بايدن الضوء على المخاطر التي يتعرض لها الاستقرار والأمن من خلال التحديات العابرة للحدود، وعلى رأسها الحفاظ على القيم الأمريكية الليبرالية، وأزمة المناخ، والأوبئة العالمية، والتضخم، وأزمات سلسلة التوريد (الإضرار بأمن الغذاء والطاقة) وكل من يعارض سياستها في الدول المحتلة والدكتاتورية المستفيدة منها، وهذه العوامل تساهم في عدم الاستقرار العالمي، وتغذي الأزمات الجيوسياسية، وبطبيعة الحال لا يوجد بلد لديه القدرة على التعامل معها بشكل مُستقل.
تحاول السياسة الأمريكية ربط المنافسة بين القوى العظمى بالتحديات العابرة للحدود؛ وبالتالي فإن حيوية التحول إلى الطاقة المتجددة، التي ترتكز على استثمارات تصل إلى 369 مليار دولار من خلال تشريعات تقليل الاعتماد على دول مثل روسيا (والمملكة العربية السعودية).
تتطلب الطبيعة العالمية للتحديات مثل المناخ والأوبئة استجابة شاملة، بطريقة تناسب نهج بايدن الذي يشجع على خلق التعاون، حتى مع الدول التي يُنظر إليها على أنها منافسة أو خصم.
الشرق الأوسط: تحالفات إقليمية ضد الصين وإيران
على الرغم من الرغبة في تقليل التدخل في الشرق الأوسط -كما يتضح من الإشارة الموجزة والمتأخرة إلى المنطقة في ورقة NSS- تواصل الإدارة الأمريكية عملياً التركيز على منطقة الشرق الأوسط، ويرجع ذلك إلى مجموعة متنوعة من الاعتبارات:
- أولها الاعتراف بأهميتها “الجيواستراتيجية” والاقتصادية.
- والرغبة في كبح التدخل الصيني المتمحور حول التعاون مع دول الخليج.
- والتطلع إلى إيجاد بديل للاعتماد الأوروبي على استيراد النفط والغاز من روسيا.
- وضرورة الاستجابة للتهديد المتزايد من قبل إيران.
تركز استراتيجية الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط على منع التصعيد وتأمين حرية الحركة في البحار، والأدوات الرئيسية لتحقيق هذه الأهداف وفقاً لمفهوم الإدارة الأمريكية، هي بناء التحالفات وتعزيز التكامل الإقليمي، مع الحد الأدنى من الاستعداد لاستخدام القوة العسكرية وتفضيل الدبلوماسية لحل الأزمات.
أما بالنسبة “لإسرائيل”، فإن الإدارة تؤكد مرة أخرى -استعداداً لتشكيل الحكومة الجديدة- على أهمية التحالف الاستراتيجي بين الدولتين على أساس القيم المشتركة، لكنها في الوقت نفسه توضح وتحذر من أنه سيتم فحص ذلك وفقاً لـ السياسة التي ستتبناها ووفقاً لأعمالها، لا سيما فيما يتعلق بالساحة الفلسطينية ومعاملة الأقليات.
فيما يتعلق بإيران، -تعكس الورقة- السياسة التي تنتهجها الإدارة لردع إيران عن زعزعة استقرار المنطقة والاستمرار في مساعدة روسيا، مع استخدام الوسائل الدبلوماسية لمنعها من الحصول على أسلحة نووية.
تؤكد الإدارة أنه من الصواب استخدام “وسائل أخرى” إذا فشلت الدبلوماسية، ولكن يبدو أنه طالما أن إيران لا تتجاوز الخطوط الحمراء على شكل التقدم الكبير للحصول على قدرات نووية، فإن الإدارة ستختار المسار الدبلوماسي فوق أي خيار آخر.
أما بالنسبة للسعودية، فيبدو أنه على الرغم من الانتقادات المحلية، تواصل الإدارة محاولة دراسة سبل تحسين العلاقة المهتزة مع البيت الملكي، كما يتضح من إعلان البيت الأبيض أن ولي العهد يتمتع بحصانة من الدعاوى القضائية، وذلك لكونها لاعباً رئيسياً في تحقيق جزء كبير من الأهداف الأمريكية في المنطقة، والخوف من تداعيات تعميق العلاقات بين السعودية والصين على مكانة الولايات المتحدة.
تحتل القضية الفلسطينية مكانة متدنية في ترتيب أولويات الإدارة (كما ورد في ورقة NSS وحتى في زيارة بايدن للمنطقة)،الذي عاد وكرر دعمه لحل الدولتين، رغم أنه يفهم أن هذا غير واقعي في الوقت الحاضر، من الناحية العملية ترغب الإدارة في تجنب استثمار الموارد في هذه القضية، ما لم يكن هناك تصعيد على الأرض، أو تغيير كبير في السياسة من جانب “إسرائيل”، ما سيجبرها على الانخراط والانشغال بها بشكل متزايد.
“توصيات لإسرائيل”
يجب أن تقوم “سياسة إسرائيل” تجاه الإدارة أولاً وقبل كل شيء على الفهم بأنه لا بديل عن التحالف الاستراتيجي والقيم المشتركة مع الولايات المتحدة، فالعلاقات الخاصة مع الإدارة ضرورية للحفاظ على مكانة “إسرائيل” وقوتها، وضرورتها لعمليات بناء القوة في “الجيش الإسرائيلي”، والتعامل مع التهديد المتزايد من إيران.
في ضوء ذلك، يجب على “إسرائيل” خلال تعاملها مع الإدارة أن تتبنى مبدأين محوريين:
- أولاً: الاستفادة من الفرص لإثبات أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة.
- ثانياً: التعامل المشترك مع التهديد الإيراني والتحديات العابرة للحدود، وفي الوقت نفسه العمل على تقليل الاحتكاك وتجنب الإجراءات المزعزعة للاستقرار، أو تلك التي قد يُنظر إليها على أنها ضارة بالقيم المشتركة.
إلى جانب تعزيز التعاون الاستراتيجي والأمني والعسكري، والحفاظ على الحوار مع كلا الطرفين مع تجنب الانجرار إلى الجدل السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، يجب على “إسرائيل” تكييف سياستها مع العصر الحالي، حيث تتركز المصلحة الأمريكية الرئيسية على ثلاثة محاور رئيسية: المنافسة بين القوى، والتحديات العابرة للحدود، والحفاظ على القيم الديمقراطية.
فيما يتعلق بالمنافسة بين القوى، يجب على “إسرائيل” أن تنتهج سياسة حذرة للغاية فيما يتعلق بالاستثمارات الصينية في البنى التحتية والتكنولوجيات الوطنية (في الشركات السيبرانية).
أما بالنسبة لروسيا، فيتعين على “إسرائيل” أن تظهر نهجاً حذراً في ضوء التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة من ناحية القدرة الروسية على إلحاق الضرر “بإسرائيل”، وعملياً ينبغي “لإسرائيل” أن تواصل الإعراب عن دعمها القاطع لأوكرانيا، ودراسة طرق زيادة المساعدات الإنسانية والعسكرية (على سبيل المثال، أنظمة الإنذار)، دون تجاوز الخطوط الحمراء لروسيا (أنظمة الدفاع الجوي).
لدى “إسرائيل” فرصة لإظهار أهميتها للإدارة الأمريكية من خلال تعزيز التعاون الإقليمي والأمني مع الدول السنية في المنطقة، كجزء من مفهوم الإدارة المتمثل في إقامة شراكات وتقوية التحالفات الإقليمية.
يجب على “إسرائيل” أن تتجنب الإجراءات المزعزعة للاستقرار تجاه الفلسطينيين.
في الوقت نفسه، يجب على “إسرائيل” أن تتجنب الإجراءات المزعزعة للاستقرار تجاه الفلسطينيين، والتي قد تؤدي إلى التصعيد وتنعكس سلباً على العلاقات مع الإدارة الأمريكية، وفي هذا السياق، على “إسرائيل” أن تبدي حساسية كبيرة بسلوكها في الأماكن المقدسة بالقدس، وأن تحرص على عدم اتخاذ خطوات أحادية الجانب من شأنها إشعال المنطقة وإشعال فتيل حرب دينية.
فيما يتعلق بالتحديات العابرة للحدود، يجب على “إسرائيل” أن تدرك أن هذه القضايا تتصدر قائمة أولويات الإدارة، وبالتالي من أجل تعزيز أهميتها في نظر الإدارة الأمريكية، تحتاج “إسرائيل” إلى تعزيز الخطاب الاستراتيجي والتعاون بين الدول حول هذه القضايا، لا سيما فيما يتعلق بموضوع مكافحة التغير المناخي.





















Facebook Comments