سعيًا لتغيير التوازن الديموغرافي
“إسرائيل” والضفة الغربية.. دمج اقتصادي وبنى تحتية متسارعة

#ترجمة_الهدهد
منذ بداية ولايتها، اتسمت سياسة حكومة العدو الحالية تجاه القضية الفلسطينية بالغموض والعديد من التناقضات، في هذا الإطار، هناك توتر بين أجندتين متنافستين داخل الحكومة: من ناحية، الاستراتيجية التي على ما يبدو أن “الليكود” يعمل على ضوئها، وفي جوهرها الاعتراف بأهمية السلطة وضرورة تعزيزها، ولكنه في الوقت نفسه معارضة إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ومن جهة أخرى – أجندة أو نهج ممثلي “الصهيونية الدينية”، وعلى رأسهم الوزيران “سموتريتش” و”بن غفير”، والذي يعكس الرغبة في تغيير جذري في الواقع، وبشكل خاص إضعاف السلطة إلى درجة اختفائها، إلى جانب تركيز كبير للاستيطان كخطوة على الطريق نحو التطبيق التدريجي لسيادة “إسرائيل” على المنطقة.
وقد تعارض النهجان عدة مرات، خاصة عندما قررت حكومة العدو تقديم الدعم للسلطة أو أمرت بإخلاء بؤر استيطانية غير قانونية، ظاهرياً، السياسة السائدة هي التي يلتزم بها رئيس الوزراء وتمثل الرغبة في الحفاظ على الوضع الراهن، لكن عملياً فإن نهج ممثلي “الصهيونية الدينية” له تعبير عملي واسع، ويؤدي إلى تغيير في وجه الواقع في الضفة الغربية و”صهر” المنطقة في “إسرائيل”.
في هذا السياق، تبرز عدد من التحركات: الموافقة على بناء 12 ألف وحدة سكنية في الضفة الغربية (مقابل حوالي 4000 في عام 2022)، وتقصير إجراءات الموافقة على خطط البناء الاستيطاني في المنطقة (بحكم مكانة “سموتريش” كوزير في وزارة الجيش مسؤول عن جزء من الإدارة المدنية)، شرعنة 10 بؤر استيطانية والتخطيط لتحويلها إلى مستوطنات، تخصيص حوالي ربع ميزانية وزارة المواصلات لتطوير الاستيطان في الضفة الغربية؛ وتعزيز الخطط الاستراتيجية فيما يتعلق بزيادة عدد المستوطنين اليهود في المنطقة، والذي يبلغ حاليا من نصف مليون إلى مليون، وتعزيز الوجود “الإسرائيلي” في مناطق (ج) (63% من مساحة أراضي السلطة)، وتطبيق إنفاذ تدمير البناء الفلسطيني غير القانوني في المنطقتين (أ) و(ب).
تعكس بيانات “سموتريش” في السنوات القليلة الماضية أهدافه طويلة المدى، محو “الخط الأخضر” بين الضفة والداخل المحتل، من خلال دمج البنية التحتية المدنية للضفة الغربية في الداخل، ومقارنة بين الوضع الإداري والقانوني للمستوطنات اليهودية في الضفة وتلك الموجودة في الجانب الآخر من “الخط الأخضر”، كل هذا، إلى جانب التفكير العام في “ضرورة” وجود السلطة (التي وصفها بأنها عدو لدود)، التشكيك في وجود الشعب الفلسطيني ذاته، وإطلاق إعلانات بروح “محو حوارة”، الأمر الذي تلقت “إسرائيل” بسببه انتقادات دولية شديدة.
تتجسد رؤية “سموتريش” في وثيقة تسمى خطة الحسم التي نشرها في عام 2017، والتي اقترح في إطارها أن يتمتع الفلسطينيون بحكم ذاتي دون تعبير سياسي ووطني أو إنشاء حدود، فضلاً عن وضع المواطنة – مثل للعرب في شرقي القدس – مع إمكانية الحصول على الجنسية في المستقبل إذا أعلنوا الولاء لـ “دولة إسرائيل” ووافقوا على الخدمة في “الجيش الإسرائيلي”.
وأوضح “سموتريتش” أن تقييد الحقوق الديمقراطية على مجموعة بأكملها، وفي المقام الأول حق التصويت، ليس فصلاً عنصريًا ولن يضر بالطابع الديمقراطي لـ “إسرائيل”، علاوة على ذلك، سخر في الوثيقة من أفكار مثل الحكم الذاتي أو ” دولة سالب ” التي طرحها “نتنياهو” في الماضي، مدعيا أن هذه مفاهيم “مغسولة ” تمثل مواقف اليسار، وادعى أن دول العالم (المتدينة في معظمها) والتي لا تهتم على أي حال بالقضية الفلسطينية إلا بمشاكلها الداخلية ستقبل بالسياسة التي يقترحها لو صاحبها إعلام فعال.
وفي الوقت نفسه، أكد “سموتريتش” أن “إسرائيل” يجب أن تتمسك بـ “عقيدة يوشع بن نون”، التي تعني تقديم ثلاثة بدائل للفلسطينيين، بروح الرسائل الثلاث التي أرسلت إلى شعوب الأرض قبل أن يحتلها “الإسرائيليون”، القبول بحكم الأخير والاستعداد للعيش في ظله وبشروطه، أو التهجير من الأرض، أو مقاتلة اليهود.
بمعنى آخر، يسعى “سموتريتش” جاهداً إلى تطبيق الحلول المأخوذة من التوراة في الواقع الاستراتيجي المعقد اليوم، ويسعى إلى تحويل الوصايا والفتاوى الشرعية والتطلعات “المسحانية” إلى اعتبارات سياسية واقعية حديثة، وفي هذا الإطار هناك إيمان بحتمية تحقيق الخلاص والثقة في توجيه “الإله”، ومن ناحية أخرى، وعدم إعطاء أهمية لمواقف المجتمع الدولي، في الخلفية، يبرز غياب نقاش معمق في “إسرائيل”، ناهيك عن الإجماع، حول الواقع الذي تسعى “الصهيونية الدينية” إلى ترسيخه، أو بشكل عام فهم حول تبعات تطبيق ذلك في كافة النواحي، وفي مقدمتها السياسية والأمنية والاقتصادية.
في النظام الفلسطيني، هناك حاليا ثلاث عمليات أساسية تدمج أو حتى تدعم اتجاه اندماج السلطة في “إسرائيل”: الضعف المتزايد للسلطة، التي ربما ليس من المتوقع أن “تنهار” بل أن تتلاشى تدريجيا، وبالتالي جر “إسرائيل” إلى القيام بمسؤولياتها الحكومية في مراكز مختلفة في الضفة الغربية؛ وتسارع تعزيز قوة حماس، التي تتعزز ثقتها بنفسها في مواجهة ضعف السلطة؛ واليأس المتزايد لدى العديد من الفلسطينيين، وخاصة جيل الشباب، حول إمكانية تحقيق أهدافهم الوطنية وسلوك قيادتهم، الأمر الذي يدفع الكثير منهم إلى النظر بشكل إيجابي إلى بديل الدولة الواحدة.
ويضاف إلى كل ذلك “التفوق الزائد” لـ”إسرائيل” في تحسين الواقع الاقتصادي في الضفة الغربية، وهو ما ينبع من دوافع عملية للحفاظ على الاستقرار الأمني من خلال تحسين نسيج الحياة الفلسطينية، لكنه في الواقع يسرع اندماج الضفة الغربية.. هذه العملية لم تنشأ نتيجة لإعلانات مثيرة أو خطط سياسية، ولكن تحت رعاية بيروقراطية يومية: دمج البنية التحتية المدنية (المياه، الكهرباء، الاتصالات، النقل، إلخ)، استيعاب سوق العمل الفلسطيني في “السوق الإسرائيلية” (يعمل اليوم حوالي 200 ألف فلسطيني في الداخل، أي حوالي ربع العمالة الفلسطينية في الضفة الغربية)، وزيادة اعتماد السلطة الفلسطينية الاقتصادي على “إسرائيل”، كما يتجسد في الحصة الكبيرة من مستردات الضرائب في موازنة السلطة الفلسطينية (حوالي 65%). وهكذا، وتحت الرادار، ومن دون وعي أو إرادة جماعية، تظهر تدريجياً حقيقة دولة واحدة.
يصادف يوم 13 سبتمبر الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاقيات “أوسلو”، وينبغي لـ”إسرائيل” أن تستغل هذا الوقت الرمزي لإجراء مناقشة جماعية مؤثرة بشأن القضية الفلسطينية، وهي قضية وجودية لا يقل وزنها عن القضية القانونية التي ركزت عليها “إسرائيل” خلال العام الماضي، وربما تتجاوزها.
في هذا الإطار، سيكون من الضروري التخلي عن النماذج المتحجرة، والاعتراف بأن “إسرائيل” تواجه اليوم بديلين فقط: من جهة، واقع الدولة الواحدة، الأمر الذي سيتطلب تحديد ما إذا كان كيانًا يعيش فيه طبقتين مدنيتين منفصلتين (الفصل العنصري). أو دولة لجميع مواطنيها؛ ومن جهة أخرى، السعي إلى الانفصال المادي – عبر اتفاق مع الفلسطينيين (احتمال ضعيف في ظل الظروف القائمة)، أو من جانب واحد، وهي سيناريوهات من المرجح أن تصاحبها تحديات أمنية وسياسية وداخلية صعبة.
إنه اختيار بين بديل سيئ وآخر أسوأ. إن الانفصال، بما فيه الانفصال الأحادي الجانب، لن يضمن الهدوء الأمني، لكنه قد يمنع واقعاً مشحوناً وعنيفاً على نمط البلقان، وهو ما سيهدد قدرة “إسرائيل” على الحفاظ على الهدف الرئيسي للرؤية الصهيونية، وهو دولة يهودية ديمقراطية.
المصدر| مايكل ميلشتاين





















Facebook Comments